تعتبر المقدمة عتبة رئيسة لقراءة أي مؤلف ، لا سيما و أنها تقدم عادة الخطة التي سيسير عليها المؤلِّف ، ، و المجاطي و إن لم ينص صراحة على تسمية المقدمة باعتبار المؤلف نشر بعد وفاة صاحبه ؛ إلا أن التمهيد الذي ورد للفصل الأول بعنوان " الشعر العربي بين التطور و التطور التدريجي" ، يحمل سمات المقدمة العامة للكتاب لأنه يتحدث عن الإشكالية العامة التي يناقشها المؤلف طيلة فصوله ، إذ ينطلق في هذه "المقدمة" من فرضية تفيد أن تطور الشعر يرتهن بتوفر جملة من الشروط و يحدد أهمها في شرطين :
1 - الاحتكاك الفكري بالثقافات و الآداب الأجنبية .
2 - توفر قدر من الحرية للشعراء .
ثم يقدم أمثلة على توفر الشرط الأول منذ العصر العباسي حتى بداية العصر الحديث ؛ إلا أن غياب الشرط الثاني حال دون تحقيق طفرة في تطور الشعر العربي ؛ و من هنا يخلص إلى الإشكالية المتمثلة في علاقة الوجود العربي التقليدي بالشعر الحديث ، ليستنتج أن الشعر العربي الحديث عرف حركتين تجديديتين شكلتا خلفية لصياغة عنوان هذه المقدمة :
أ - التطور التدريجي : و يمثل البوادر الأولى لحركة التجديد ، قامت به أهم المدارس الأدبية العربية في النصف الأول من القرن العشرين ، و هي مدرسة الديوان و مدرسة الرابطة القلمية في المهجر و مدرسة أبوللو ، و يرجع بطء تطورها إلى كون هذه الحركات التي تمثل التيار الذاتي الثائر على مدرسة الإحياء ، قد واجهت الوجود العربي التقليدي الذي كان لا يزال متماسكا و من هنا يشبه هذا التيار بالمحاولات التجديدية للشعر العربي في العصر العباسي ، و في الأندلس حيث كان التطور محدودا .
ب - التطور الفعلي : بسبب انهيار الوجود العربي التقليدي بعد هزيمة 1948، و قد كان التجديد عند هذه الحركة قويا عنيفا بسبب توفر الشرط الثاني ( حرية الشاعر) الذي سمح بالثورة على الأشكال الشعرية العتيقة ، إلى جانب توفر الشرط الأول ( الاحتكاك الثقافي ) الذي سمح بالتفتح على المفاهيم الشعرية في الغرب.
و تجدر الإشارة إلى أن هذه الحركة الثانية هي محور الحديث كما يشير إلى ذلك المجاطي حين جعل الفصل الأول - الذي درس فيه الحركة الأولى - مدخلا لدراسة الحركة الثانية .