قال ابن الأثير متحدثا عن أضرب السرقة :
" الضرب الحادي عشر من السلخ "وهو اتحاد الطريق واختلاف المقصد "
ومثاله أن يسلك الشاعران طريقا واحدة فتخرج بهما إلى موردين او روضتين وهناك يتبين فضل أحدهما على الآخر فمما جاء من ذلك قول أبي تمام في مرثية بولدين صغيرين
مجد تأوب طارقا حتى إذا قلنا أقام الدهر أصبح راحلا
نجمان شاء الله ألا يطلعا إلا ارتداد الطرف حتى يأفلا
إن الفجيعة بالرياض نواضرا لأجل منها بالرياض ذوابلا
لهفي على تلك الشواهد فيهما لو أخرت حتى تكون شمائلا
إن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت أن سيكون بدرا كاملا
قل للأمير وإن لقيت موقرا منه يريب الحادثات حلاحلا
إن ترز في طرفي نهار واحد رزأين هاجا لوعة وبلابلا
ا فالثقل ليس مضاعفا لمطية إلا إذا ما كان وهما بازلا
لا غرو إن فننان من عيدانه لقيا حماما للبرية آكلا
إن الأشاء إذا أصاب مشذب منه اتمهل ذرا وأث أسافلا
شمخت خلالك أن يواسيك امرؤ أو أن تذكر ناسيا أو غافلا
إلا مواعظ قادها لك سمحة إسجاح لبك سامعا أو قائلا
هل تكلف الأيدي بهز مهند إلا إذا كان الحسام القاصلا
وقال أبو الطيب في مرثية بطفل صغير :
فإن تك في قبر فإنك في الحشا وإن تك طفلا فالأسى ليس بالطفل
ومثلك لا يبكى على قدر سنه ولكن على قدر الفراسة والأصل
ألست من القوم الذي من رماحهم نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل
بمولودهم صمت اللسان كغيره ولكن في أعطافه منطق الفصل
تسليهم علياؤهم عن مصابهم ويشغلهم كسب الثناء عن الشغل
عزاءك سيف الدولة المقتدى به فإنك نصل والشدائد للنصل
تخون المنايا عهده في سليله وتنصره بين الفوارس والرجل
بنفسي وليد عاد من بعد حمله إلى بطن أم لا تطرق بالحمل
بدا وله وعد السحابة بالروى وصد وفينا غلة البلد المحل
وقد مدت الخيل العتاق عيونها إلى وقت تبديل الركاب من النعل
وريع له جيش العدو وما مشى وجاشت له الحرب الضروس وما تغلي
فتأمل أيها الناظم إلى ما صنع هذان الشاعران في هذا المقصد الواحد وكيف هام كل واحد منهما في واد منه مع اتفاقهما في بعض معانيه
اوسأبين لك ما اتفقا فيه وما اختلفا وأذكر الفاضل من المفضول فأقول أما الذي اتفقا فيه فإن أبا تمام قال :
لهفي على تلك الشواهد فيهما لو أخرت حتى تكون شمائلا
وأما أبو الطيب فإنه قال
بمولودهم صمت اللسان كغيره ولكن في أعطافه منطق الفضل
فأتى بالمعنى الذي أتى به أبو تمام وزاد عليه بالصناعة اللفظية وهي المطابقة في قوله صمت اللسان ومنطق الفصل وقال أبو تمام
نجمان شاء الله ألا يطلعا إلا ارتداد الطرف حتى يأفلا
وقال أبو الطيب
بدا وله وعد السحابة بالروى وصد وفينا غلة البلد المحل
فوافقه في المعنى وزاد عليه بقوله وصد فينا غلة البلد المحل لأنه بين قدر حاجتهم إلى وجوده وانتفاعهم بحياته وأما ما اختلفنا فيه فإن أبا الطيب أشعر فيه من أبي تمام أيضا وذاك أن معناه أمتن من معناه ومبناه أحكم من مبناه وربما أكبر هذا القول جماعة من المقلدين الذين يقفون مع شبهة الزمان وقدمه لا مع فضيلة القول وتقدمه وأبو تمام وإن كان أشعر عندي من أبي الطيب فإن أبا الطيب أشعر منه في هذا الموضع وبيان ذلك أنه قد تقدم القول على ما اتفقا فيه من المعنى وأما الذي اختلفا فيه فإن أبا الطيب قال
عزاءك سيف الدولة المقتدى به فإنك نصل والشدائد للنصل
اوهذا البيت بمفرده خير من بيتي أبي تمام اللذين هما
إن ترز في طرفي نهار واحد رزأين هاجا لوعة وبلابلا
فالثقل ليس مضاعفا لمطية إلا إذا ما كان وهما بازلا
فإن قول أبي الطيب والشدائد للنصل أكرم لفظا ومعنى من قول أبي تمام إن الثقل إنما يضاعف من المطايا وقوله أيضا
تخون المنايا عهده في سليله وتنصره بين الفوارس والرجل
وهذا أشرف من بيتي أبي تمام اللذين هما
لاغرو إن فننان من عيدانه لقيا حماما للبرية آكلا
إن الأشاء إذا أصاب مشذب منه اتمهل ذرا وأث أسافلا
وكذلك قال أبو الطيب
ألست من القوم الذي من رماحهم نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل
تسليهم علياؤهم عن مصابهم ويشغلهم كسب الثناء عن الشغل
وهذان البيتان خير من بيتي أبي تمام اللذان هما :
شمخت خلالك أن يواسيك امرؤ أو أن تذكر ناسيا أو غافلا
إلا مواعظ قادها لك سمحة إسجاح لبك ســـــــامعا أو قائلا"