رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي التي كتبها في رثاء الشهيد عمر المختار، بعد أن حكم المحتلون الإيطاليون عليه بالإعدام شنقا سنة 1931 لأنه لم يستسلم لاحتلالهم أرض الوطن العربي الغالي -ليبيا- وإنما ظل يقاومهم دون هوادة إلي أن استطاعوا القبض عليه، فمشي إلي المشنقة مرفوع الرأس ..ألا نتذكر هذه القصيدة الرائعة في أيامنا هذه لعل الذكرى تنفع المؤمنين يقول شوقي :
ركزوا رفاتك في الرمال لواء
يستنهض الوادي صباح مساء
يا ويحهم! نصبوا مناراً في دم
توحي إلي جيل الغد البغضاء
ما ضر لو جعلوا العلاقة في غد
بين الشعوب مودة وإخاء؟
جرح يصيح علي المدي، وضحيةٌ
تتلمسُ الحرية الحمراء
يأيها السيف المجرد بالفلا
يكسو السيوف علي الزمان مضاء
تلك الصحاري غمد كل مهند
أبلي فأحسن في العدو بلاء
خُيرت فاخترت المبيت علي الطوي
لم تبن جاهاً، أو تلم ثراء
إفريقيا مهدُ الأسود ولحدها
ضجت عليك أراجلاً ونساء
والمسلمون علي اختلاف ديارهم
لا يملكون مع المصاب عزاء
والجاهلية من وراء قبورهم
يبكون زيد الخيل والفلحاء
***
في ذمة الله الكريم وحفظه
جسدٌ (ببرقة) وسد الصحراء
لم تُبق منه رحي الوقائع أعظما
تبلي، ولم تُبق الرماح دماء
كرُفاتِ نسرٍ أو بقية ضيغمٍ
باتا وراء السافيات هباء
بطل البداوة لم يكن يغزو علي
تنك ، ولم يك يركب الأجواء
لكن أخو خيل حمي صهواتها
وأدار من أعرافها الهيجاء
***
لبي قضاء الأرض أمس بمهجة
لم تخش إلا للسماء قضاء
وأفاهُ مرفوع الجبين كأنه
سقراط جر إلي القضاة رداء
شيخٌ تمالك سنة لم ينفجر
كالطفل من خوف العقاب بكاء
وأخو أمورٍ عاش في سرائها
فتغيرت، فتوقع الضراء
الأسد تزأر في الحديد ولن تري
في السجن ضرغاماً بكي استخذاء
وأني الأسير يجر ثقل حديده
أسدٌ يجرز حية رقطاء
عضت بساقيه القيود فلم ينؤ
ومشت بهيكله السنون إعياء
خفيت عن القاضي، وفات نصيبها
من رفق جند قادة نبلاء
والسن تعصف كل قلب مهذبٍ
عرف الجدود، وأدرك الآباء.
إني رأيت يد الحضارة أولعت
بالحق هدماً تارة وبناء
شرعت حقوق الناس في أوطانهم
إلا أُباة الضيم والضعفاء
***
يأيُّها الشعبُ القريب، أسامعٌ
فأصوغ في عمر الشهيد رثاء؟
أم ألجمت فاك الخطوب وحرمت
أُذنيك حتي تخاطب الإصغاء؟
ذهب الزعيمُ وأنتَ باقٍ خالدٌ
فانقُدْ رِجالك واخْتَرِ الزُّعَماءَ
وأرح شيوخك من تكاليف الوغي
واحمل علي فتيانك الأعباء
منقوول من مفكرة الاسلام .