توفيق بوعشرين
الاثنين 20 يونيو 2011
أوجاع المخاض التي تسبق الولادة، مهما كانت مؤلمة، علامة صحية على أن الجنين حي، وعلى أن العائلة مقبلة على حدث سعيد. هكذا أرى النقاش والسجال وحتى الصراع الدائر اليوم حول مشروع الدستور القادم. نحن شعب كباقي الأمم الحية، بين أبنائه اختلافات وتباينات في أنماط العيش وأساليب الفكر وطرق تمثل الحاضر والمستقبل، ولهذا من الطبيعي جدا أن يختلف المغاربة حول شكل ومضمون الدستور الجديد.
إن ما نشهده حاليا من سجال سياسي وإيديولوجي وفكري وثقافي حول الوثيقة الدستورية شيء لم يشهده المغرب منذ وضع أول دستور سنة 1962، وإلى إغلاق آخر تعديل دستوري سنة 1996... لقد كان الملك الراحل الحسن الثاني يعتبر الدستور حديقته الخلفية وعصاه التي يهش بها على معارضيه... لهذا مات، رحمه الله، والبلاد محكومة بدستور الغالب ضد المغلوب، وبوثيقة دستورية لا ترسم حدود سلطة الجالس على العرش، ولا تضع خطوطا للفصل بين السلط. أكثر من هذا، أدت الممارسة السياسية في تلك المرحلة وضعف نخبها إلى ميلاد دستور آخر غير مكتوب أسوأ بكثير من الدستور المكتوب... ولهذا فإننا أمام مهمة مزدوجة الآن. من جهة، على المغاربة أن يساهموا في «ميلاد» دستور جديد يليق بالعصر الذي يحيونه وبالآمال التي بعثها في النفوس الربيع الديمقراطي العربي، ومن جهة ثانية، إعلان وفاة الدستور غير المكتوب والعادات والطقوس التي نبتت على ضفاف الوثيقة الدستورية المكتوبة.
دستور 2011 هو أول دستور لم يضع الفرنسيون فيه أيديهم، كما فعل جورج فوديل وجاك روبير والعميد موريس دوفرجي وميشيل روسو في دساتير المغرب السابقة. هذه نقطة تحسب للملك محمد السادس، الذي سمح للمغاربة بأن يكتبوا دستورهم، وسمح للأحزاب بأن تقول رأيها في «قانون السير على السلطة»، فوالده لم يتح للمغاربة هذه الفرصة، وكان يطرح مشروع الدستور على المغاربة ويخاطبهم بالقول: «وأنا على يقين، شعبي العزيز، أنك ستقول نعم للدستور الذي أعرضه عليك، بعد أن استفتيت ضميري وقلبي...».
وحتى عندما سمح لأحزاب الكتلة بأن تقول رأيها غير الملزم في الدستور، وأن تضع مذكرة في مكاتب الديوان الملكي بما تريده من الدستور القادم، فإنه لم يكن يأخذ منها إلا ما يستجيب لـ«هواه»، ويخدم بقاء قبضته الحديدية على السلطة في البلاد.
حكى لي وزير سابق في حكومة سابقة أن الملك الراحل الحسن الثاني كان يرأس جلسة في السنوات الأخيرة من حياته، وكان من بين من حضروا جلسة العمل هذه المستشار المخضرم، محمد معتصم، المكلف الآن بالتنسيق لإخراج الدستور الجديد، الذي قال، في معرض إبداء رأيه حول نقطة من النقط محل النقاش: «وهذا ما تضمنته مذكرة الكتلة حول التعديلات الدستورية لسنة 1996»... عندها تدخل الملك الحسن الثاني وقاطعه غاضبا: «عن أي مذكرة للكتلة تتحدث؟»... صمت معتصم وفهم السؤال الاستنكاري لسيده. لم يطق الحسن الثاني مجرد ذكر مذكرة لم يأخذ منها شيء أثناء المراجعة الدستورية الأخيرة في مجلسه...
من هذا «التصحر الدستوري» وصلنا اليوم إلى مشروع الدستور الجديد، ولهذا فإن الخلاف حوله والصراع على مضامينه ومصطلحاته أمر صحي، لأنه دليل على استعادة العافية بعد الغيبوبة...
هسبريس