"زئير المعري"/إلى شهداء الثورة السورية

أتَاكَ الدَّهْرُ يا شَيْخَ الــــمَعَرَّةْ
على وَقْعِ الرَّصَــاصِ يَؤُمُّ غَدْرَهْ
أَتاكَ وَقَدْ تَراءى فَـــجْرُ لَيْلِي
فَخافَ مِنَ الظّــلامِ يَصُدُّ فَجْرَهْ
أتاكَ لَعَلَّهُ يَبْقى طَليــــــقاً
وتبْقَى في القُيودِ، فَبَاحَ سِـــرَّهْ:
"رَهينَ الـمَحْبِسَيْنِ اكْتُمْ جُنُونـي
فإنَّ الصَّمْتَ كادَ يَفُـــكُّ أَسْرَهْ
رَهينَ الــمَحْبِسَيْنِ أَذِعْ صراخي
فَوَأْدُ البَــــوْحِ أَحْزَنني وسَرَّهْ
لـــماذا هذه الأمواجُ هاجتْ
بريحٍ زَلْزَلَــتْ عَرْشي وَأَزْرَهْ؟!
ألسْنا خيرَ من حفِـــظَ الوصايا
فقتَّل شعبَهُ ليطيع أمــــرَهْ؟!
لـــماذا الشعبُ يغلي يا مَعرِّي؟
وعَرَّانا وقدْ صِـــــرْنا مَعَرَّةْ
يصيح بنا لنحر الظـــلم شَدْواً
ومنْ قســطاسنا قد ذاق خيرَهْ:
فهــذا الشبلُ يرحـمُهُ بنحْـرٍ
إذا ما قرَّرَ "الأَوْغـــادُ" نَحْرَهْ
وهذا الشبلُ يُكْرِمُه بــــجنْدٍ
بواسِلَ غادروا الــجولانَ حُرَّةْ!
أيا شيخ الــمعرَّة ضاق صدري
بـهذا الشعبِ حين شَقَقْتُ صدرَهْ
رأيتُ العزْمَ يعْشَــــقُهُ وليداً
وإن شَبَّ الوَليدُ يصــيرُ مُهْرَهْ!
رأَيْتُ القهرَ يبعثُــــهُ، فتبًّا
لِمَنْ أرْضى الــجُنونَ، ورامَ قهْرَهْ
فقُمْ في ليل جُمْعَةِ منْ تــحدَّى
وصاحَ .. يسبُّـنـي ويُبينُ كُفْرَهْ
وقلْ لــهمُ: جـناحُ الصُّلْحِ خيرٌ
وإلا فالدَّمارُ يدقُّ عـــــطْرَهْ
تكلَّمْ كيف تـــتركني وحيداً
أمامَ دُجى الوجوهِ الـمُــكْفهرّةْ
تكلّمْ فالكلومُ أبتْ كلامـــي
أيـجدي العُذْرُ من قد غال عُذْرَهْ؟
شَرَيْتُ بِصَمْتكَ الْمَلغومِ أمْنــي
وحينَ وطِئْـتُهُ فَجَّرْتَ أَجْــرَهْ!
**********
أزاحَ الشيخُ فلسفةَ الأَمـــانـي
وقالَ لـمنْ أحاطَ بــها مَقَرَّهْ:
(لَعَنْتُ الصَّمْتَ حين غدا انتحـارا
وكمْ قدَّسْتُهُ، ورفعْتُ ذكْـــرهْ
أأُسْمِعُكُمْ هديلا أم زئــــيرا؟
فإن العارَ قدْ أدمى الــــمَعَرَّةْ
خَبَرْتُ الــجور في دهري زماناً
فلمْ أرَ مثْلَكُمْ يَعْـــلُونَ جورَهْ
وكمْ خَيَّلْتُ فــي "الغُفْرانِ" شَرًّا
وحينَ رأيتكمْ أَزْرَيْـــتُ شرَّهْ
ترومونَ النَّصيحَةَ مِنْ قصـــيٍّ
وها خِلَّانُكُمْ بالقُـــرْبِ عِبْرَةْ:
فزيْنُهُــــــمُ أَراهُ في جَحيمٍ
يعانِقُ شيْنَــــهُ ندمًا وحسرَةْ
يباركُ للمُبارَكِ حينَ هَبّــــَتْ
رياحُ الرَّفْـــضِ تَذْرو مُسْتَقَرَّهْ
ويهْتِفُ بالعقيـدِ: "غرَسْتَ حقداً
ستَجْني الشُّؤْم إذْ شَذَّبْـتَ مَكْرَهْ"
يبَشِّرُ صالــــحا بنذير سوء:
"ستنـزل بعد رتق الْجُرْحِ جُحْرَهْ"
أيا بشّارُ كُنْتَ الدَّهرَ يــــوما
ولكنْ خُنْـــــتَهُ فَأَدارَ ظَهْرَهْ
رأَى الأوهامَ تعْبَثُ وَسْطَ بَعْــثٍ
يـــمورُ بـمَوْتِهِ، فأقالَ صَبْرَهْ
أينفُخُ فوكَ شَرًّا فــــي غرورٍ
وترجو الخيرَ حينَ ركبْتَ بـحْرَهْ؟!
فنصرُ اللهِ لا يدْنو لـــــطاغٍ
يُغَـــطِّي وِزْرَ من جاروا وَوِزْرَهْ
كـ"نَصْر اللهِ" لـــمّا قال زورًا
هوى، فأضــاعَ بالأوهامِ نصْرَهْ
فخُذْ بنصيـــحَتي وارحلْ عزيزًا
فإنَّ الذُّلَّ يُكـــــرِمُ مَنْ أَبَرَّهْ
وإنَّ الدهْرَ حينَ يــــدورُ يومًا
يدُكُّ منِ اسْتَبَــدَّ ورامَ دورَهْ)