هناك من يحاول وصف مآسي فلسطين وهو جالس على أريكة مريحة, يرتشف القهوة الساخنة ويضع في قدميه نعلين ناعمتين في شقته الفاخرة, ويبعث بالنص إلى مخرج فذ ليحول العمل إلى مسلسل رمضاني يحوز إعجاب أكبر عدد من المشاهدين ويدر عليهم ما يحفظ لهم المكانة الاجتماعية الراقية والوضع المادي المريح.
ينهي المخرج كل اللمسات ويهيئ الاستوديوهات والقرى البائسة التي لا تدل على شيء سوى أنه ليس هناك من يستطيع أن يحيا بداخلها إلا ساعات التصوير, ثم يختار الممثلين الذين يجيدون لغة البؤس والبكاء ولغة مص الشفاه وضرب الأكف بعضها ببعض.
يصل كل من الكاتب والمخرج والممثلين إلى مقر التصوير يستقلون سياراتهم الفارهة وسط تصفيق الجموع من المتفرجين, وقد تناولوا فطورهم الصحي وطالعوا الجرائد وخاصة ركن برجك اليوم, وبخوا من عطرهم الباريسي الفاخر الذي يناسب شخصياتهم، ثم يحضرون بكل هدوء كي يمثلوا مأساة شعب عمرها يفوق ستين سنة!!
أما علم أولئك المدعون أنهم يحتاجون إلى أرواحنا لكي يدركوا مدى آلامنا؟؟
إننا لا نملك شققًا بل خيمًا وغرفًا ضيقة معرضة للهدم في أي وقت, إننا لا نعرف كيف ننام على أريكة مريحة؛ لأننا لا نملكها، لا نملك أن نشبع، لا نملك أن نرتاح، لا نملك أن نحيا بهدوء دون ترقب للأسوأ.
إننا لا نستقل سياراتنا إلى رمي الحجارة، إننا لا نطالع الجرائد، فنحن نصنع نشرات الأخبار على الفضائيات التي تشاهدونها قبل ذهابكم إلى النوم لرؤية الأحلام السعيدة، ولا يهمنا أن نعلم ماذا يقولون؛ لأننا نسير نحو قدرنا المحتوم بكل فخر حتى لو كان قدرنا الموت.
أما نحن فلا نحلم لأننا دائمًا نستيقظ على كوابيس النار والدمار.
ماذا تعرفون عنا لكي تصفوا مآسينا؟ فنحن نحمل بؤسنا بداخلنا وتعج به بيوتنا وشوارعنا ومساجدنا لكي تتقنوا أعمالكم فتعالوا لتعيشوا بيننا أيامًا قليلة.
ستعودون وتبحثون عن لغة جديدة تستطيع وصف ما نعانيه، فمفردات الألم في لغتكم لا ترقى إلى عمق الألم فينا، ولا مفردات الفخر لديكم تستطيع أن تصف ثباتنا؛ إننا لا نجيد مص الشفاه ولا نعرف لغة البكاء، لكننا هنا ولدنا وهنا سنبقى وسط هذا الثبات.
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/Culture/0/3503/#ixzz1iytDx6rp