الأمل في أوباما .. وهم أم حقيقة ؟ قدمت مؤلفة الكتاب أطروحة محددة مؤداها أن فوز أوباما لا يعني على الإطلاق تحسنا في أوضاع الأقليات في أمريكا خصوصا السود .. أوباما أيضا ركزت حملته على أن أباه أسود إلا أنه ليس من سلالة العبيد وإنما هو مهاجر جاء طوعا إلى أمريكا بما يضعه في إطار مختلف عن جماعة السود التي جاء أجدادها مكبلين بالحديد للعمل بالسخرة في زمن العبودية .
وقد قال في أكثر من مرة أن سود أمريكا حققوا أكثر من 90% على طريق المساواة الكاملة في أمريكا . بالرغم من أن ذلك لا يعبر عن الواقع بأية حال. على سبيل المثال فإن الفارق هائل في توزيع الثروة فالأسرة السوداء تملك 10 سنتات فقط مقابل دولار تملكه الأسرة البيضاء في امريكا ، كما ان السود يشكلون نصف المودعين في السجون وهم لا يشكلون سوى 11% من السكان .
http://www.moheet.com/image/61/225-300/610264.jpgأوباما يتنكر للكنيسة السوداء تقول د. منار الشوربجي مؤلفة الكتاب أنه لعل قصة أوباما مع جرمايا رايت القس الأسود وراعي الكنيسة التي انتمى لها أوباما لعقدين كاملين هي القصة الأهم في دلالاتها .
وجرمايا رايت هو راعي الكنيسة التي انتمى لها أوباما على مدى 16 عاما على الاقل ، ويعد أحد أهم الدعاة الدينيين في أوساط السود ولم يتهم يوما بالتطرف ، وهو الذي أبرم عقد زواجه وعمد طفلتيه . وهو لم يكن فقط وثيق الصلة بأوباما حتى بدأ حملته للرئاسة ، وإنما كان مرشده الروحي ، بل وصاحب التعبير الذي اقتبسه أوباما عنوانا لأهم كتبه " جرأة الأمل " في دلالة واضحة على حجم تأثير الرجل عليه .
ولكن في عام 2008 عرض الإعلام بشكل إنتقائي لبعض العبارات التي جاءت في مواعظ سابقة لجرمايا رايت منها موعظة قال فيها إن أحداث سبتمبر كان من الممكن تجنبها لأنها ناتجة عن سياسات أمريكية خارجية خطأ ، وتصريح آخر قال فيه إن البيض الأثرياء هم الذين يهيمنون على أمريكا . وحينما لم يتراجع عن موقفه أدانه أوباما بشدة معلنا انفصاله عن الكنيسة بالمطلق . وأنه لن ينضم لأية كنيسة سوداء أخرى حتى نهاية العام .
ويخبرنا التاريخ أنه حين تم استقدام الأفارقة لاستعبادهم في أمريكا ، استخدمت كل الوسائل التي من شأنها إخضاعهم بشكل كامل . لذلك اهتم نظام العبودية بالقضاء على الثقافات الأصلية التي أتوا بها من بلدانهم ، حرموا كذلك من الدخول في ديانة السيد الأبيض المسيحية بغض النظر عما إذا كانوا أحرارا أو عبيدا .
لكل ذلك صارت ممارسة الدين عند السود أحد أشكال المقاومة ، وظل هذا المعنى موجودا في الثقافة الجمعية السوداء حتى اليوم ، سواء بالنسبة للذين يدينون بالمسيحية أو أولئك الذين يدينون بالإسلام على نهج منظمة أمة الإسلام .
وحتى بعد السماح تدريجيا باعتناق السود للمسيحية كانت التعاليم المسيحية التي تلقاها العبيد تهدف لإخضاعهم للسيد الأبيض والتأكيد المستمر على دونيتهم من خلال تقديم ذلك المعنى باعتباره إرادة الله التي خلق عليها الكون .
http://www.moheet.com/image/62/225-300/626031.jpgفرحة الزنوج بفوز اوباما!!وبعد جر مجموعة من السود من أرجلهم في 1787 حين قاموا دون قصد بالركوع للصلاة في مكان مخصص للبيض في إحدى الكنائس نشأ ما يعرف بعد ذلك بالكنيسة السوداء . وصارت الكنيسة بالنسبة للسود هي النادي الاجتماعي والحزب السياسي والمعبر عن الاحلام والمجسد للظلم ، كما كانت أيضا المصدر الأساسي لتفريخ الرموز القيادية بمن في ذلك مارتن لوثر كينج .
ولكن ظهر تياران آخران يعبران عن التطور الذي حدث للجماعة السوداء نفسها حيث صارت هناك طبقة وسطى ونخبة ثرية في أوساط السود . التيار الأول يقوم على إعطاء الأولوية الأكبر للتكيف مع المجتمع الأبيض داعيا السود للبحث عن الفردوس في الآخرة وحدها لا على الأرض ويعطي الأولوية للجوانب الأخلاقية التي يراها مسئولة عن انهيار المجتمع مثل الإجهاض واللواط.
وهناك تيار آخر يخاطب بالأساس السود الاثرياء ، يشجع أتباعه للنظر للثراء باعتباره دليلا على الرضا الإلهي ، وهو تيار لا مانع عنده من تحميل السود المسئولية عن تدهور أوضاعهم . أما أوباما فظل يريد الإستفادة من إلتفاف السود جمعيا حوله وبحيث يروض هذا التأييد لئلا يستعدي البيض .
http://www.moheet.com/image/61/225-300/616724.jpgباراك اوباما.bmp
أوباما والعرب وإسرائيلوترى د. الشوربجي أنه بعد الموقف الذي اتخذه اوباما من الكنيسة ، لم تكن مفاجأة على الإطلاق أن يذهب أوباما إلى مؤتمر إيباك ويلقي كلمة بالغة التأييد لإسرائيل .
وفي خطابه أمام إيباك ركز أوباما على ضرورة أن تعود علاقات السود واليهود لما كانت عليه حيث عملوا سويا في حركة الحقوق المدنية . ولكن الحقيقة غير ما ذكره أوباما فصحيح أنه في المراحل الأولى لحركة الحقوق المدنية كان لليهود دور إيجابي للغاية وكافحوا مع الرموز السوداء من أجل وضع نهاية للعنصرية والقهر في المجتمع الأمريكي .
ولكن أدى موقف إسرائيل الداعم لحكومة جنوب أفريقيا العنصرية ومواقفها الرجعية من كل قوى التحرر الوطني في ذلك الوقت ، ثم امتناع اليهود الأمريكيين عن إدانة ذلك الموقف الإسرائيلي في فلسطين مصدر استياء بالغ لدى السود الذين تحالفوا معهم في حركة الحقوق المدنية نظرا لتوحدهم مع تجارب النضال والتحرر الشبيهة بتجربتهم في أمريكا . وفي مقابل ذلك لم تقبل الرموز اليهودية تأييد السود لحركة التحرر الوطني الفلسطينية .
بل إن الرموز اليهودية كانت قد بدأت تمارس ضغوطا على كبرى المنظمات السوداء في ذلك الوقت بهدف ألا يتولى المواقع القيادية فيها أية زعامات سوداء مؤيدة لحقوق الفلسطينيين .
ومن بين ما يرفضه هذا التيار الأسود في سياسة بلاده الخارجية هو التأييد الأعمى لسياسات إسرائيل واعتبار الإسلام هو المسئول عن مشكلات الشرق الأوسط .
نلاحظ أن اوباما بعد فوزه اتخذ في أسابيع قليلة مواقف بشأن قضايا مختلفة بدا معها وكأنه يتراجع عن المواقف التي اتخذها طوال الحملة التمهيدية . فخرج مثلا بتصريحات جعلت تعهده بالإنسحاب من العراق في غضون 16 شهرا رهنا برأي القيادة العسكرية في العراق وبتطورات الموقف على الأرض . وهو بالضبط منطق بوش .
لغة القوة بين الأمموتستنكر مؤلفة الكتاب الإعتماد على أوباما في تحسن أوضاعنا في مصر ؛ فإقامة علاقات جيدة بين مصر وأمريكا أمر يستلزم ثلاثة شروط : وهي العافية المصرية الداخلية التي تعتمد على توفير مناخ ديمقراطي حقيقي ، والحضور الإقليمي القوي ، ووجود مؤسسة حاكمة في أمريكا أكثر توازنا في إدارة علاقاتها بالعالم وأقل تطرفا في انحيازها لإسرائيل .
وللعلم فإن الشرطين الأول والثاني اهم بكثير من شرط وجود مؤسسة حاكمة أمريكية غير متطرفة . والدليل على ذلك تركيا وهي حليف قوي للولايات المتحدة وصاحبة العلاقات الوثيقة مع إسرائيل استطاعت عبر ديمقراطيتها ومراجعتها لسياستها الإقليمية أن تبني علاقة مع أمريكا تتسم بدرجة عالية من الإستقلالية ، رغم التحالف ، على نحو يحقق اعلى مصلحة وطنية . ففي عام 2003 رفضت تركيا أن تستخدم أمريكا أراضيها لغزو العراق . وهو ما كان مفاجأة قاسية لإدارة بوش لأن القرار التركي كلفها الكثير استراتيجيا وعسكريا . ولكن إدارة بوش بكل صلفها وتطرفها ورغم غضبها الواضح لم تستطع ابتزاز الأتراك ، لأن القرار جاء من البرلمان التركي وكان ظهر الحكومة التركية محميا بموقف داخلي قوي وإجماع واضح وراء ذلك القرار ، الأمر الذي يجعل المواجهة أصعب بكثير لانها تكون مواجهة مع الأمة التركية كلها لا مع حكومة بعينها .
كما ان تركيا بنت في السنوات القليلة الماضية علاقات جيدة مع كل من سوريا وإيران ، بل ودعت خالد مشعل ورموز حماس إلى أنقرة . وقد سمعت بعض القوى في أمريكا للي ذراع تركيا عبر إعادة فتح ملف الأرمن وتم الدفع من جديد نحو إصدار قرار من الكونجرس ينص على أن ما حدث للأرمن إبان الدولة العثمانية كان "مذبحة" . لكن تركيا التي تملك أوراقا إقليمية بالغة الأهمية لأمريكا استخدمت تلك الأوراق . فكانت إدارة بوش هي التي ضغطت بكل قوتها على الكونجرس ، حتى اختفى ابتلع أعضاء الكونجرس ألسنتهم بعد أن كان بعضهم قد ملأ الدنيا ضجيجا بشأن موضوع الأرمن باسم " حقوق الإنسان " فجأة وفي أقل من يومين تغير الموقف داخل الكونجرس من الشيء لعكسه !!!.