رغم المطر.. جمعة رمضان في شوارع باريس!
كانت الساعة تشير إلى الثانية ظهرا حينما نودي لصلاة الجمعة في مسجد "الفتح" في الدائرة الثامنة عشرة من العاصمة الفرنسية باريس، وإذا كان المشهد داخل المسجد عاديا فإن أعدادا كبيرة من المصلين تحدت المطر المنهمر وأرضيات الشوارع المبللة لتفرش السجاجيد وقطع الكرتون والجرائد وقطع البلاستيك... "حتى لا نضيع صلاة أول جمعة رمضانية مباركة"، بحسب أحد المسلمين.
ففي شارع "ميراه" حيث مسجد الفتح والذي تديره جمعية من أصول إفريقية جلس البعض ممن لم يجد مكانا داخل المسجد يستمع إلى خطبة الجمعة أمام المحال التجارية المحيطة بالمسجد.
وأمام محل "للذهب والمجوهرات" وآخر للملابس الفاخرة جلس البعض القرفصاء وقد حمل معه مظلته بينما جلس البعض الآخر لا تستره إلا السماء الملبدة بالسحب غير مبال برذاذ المطر المنهمر، في الوقت الذي اصطف فيه عدد كبير من المصلين في أركان الشارع يحتمون بمظلات المحلات التجارية القريبة وهم ينتظرون إقامة الصلاة.
تناسق وانتظام
ولم يدم انتظار المصلين على قارعة الطريق طويلا، فقد أقيمت الصلاة لتنتظم الصفوف وتغطي أجساد المصلين كل الأرصفة المحيطة بانتظام وتناسق يثير كل المارين في المكان من الفرنسيين.
الحاج كاريمو أحد مسئولي المسجد قال لـ"إسلام أون لاين.نت": "طالبنا بلدية الدائرة الثامنة عشرة مرات عدة بتوفير مكان أكثر كرامة لنا، ولكننا نواجه في كل مرة بتسويفات".
وأضاف: "من المعروف أن الدائرة الثامنة عشرة تحتوي على كثافة مسلمة كبيرة ورغم وجود مسجدين آخرين فإن الإقبال على مسجدنا الذي يوجد في قلب المحلات التجارية يدفعنا إلى الاستعانة بالأرصفة من أجل استيعاب المصلين".
وأردف قائلا: "إذا كان ذلك يجري في الجمعة العادية فما بالك بجمعة رمضان والتي تشهد إقبالا منقطع النظير".
ووافقت بلدية الدائرة الثامنة عشرة على تخصيص 4 آلاف متر مربع في شارع قريب من شارع "ميراه" لإقامة مسجد، لكن الإجراءات الإدارية لتهيئة المكان لم تبدأ بعد، بحسب المكتب الصحفي للبلدية.
وكانت مرشحة اليمين الفرنسي الحاكم فرنسواز ديبانافي قد استغلت صلاة الرصيف في شارع "ميراه" أثناء حملة الانتخابات البلدية في يناير الماضي وألقت باللائمة على رئاسة البلدية لعدم الجدية في "إيجاد مكان يليق بالمسلمين في الدائرة الثامنة عشرة".
ويوجد بشارع "ميراه" مسجدان، هما مسجد "الفتح" ومسجد "طارق بن زياد"، واكتسب هذا الشارع شهرة كبيرة في الأوساط الفرنسية، خاصة بعد أن شهد في يوليو 1995 عملية اغتيال "عبد الباقي صحراوي" أحد زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية "المحظورة" المنفيين بفرنسا وهو جالس في إحدى قاعات الصلاة.
مشهد متكرر
مشهد الاكتظاظ الكبير الذي شهدته أول جمعة رمضانية تكرر في عدة مساجد باريسية أخرى كمساجد الدائرة الحادية عشرة من باريس، حيث شهد مسجد "عمر بن الخطاب" الذي تديره جماعة الدعوة والتبليغ إقبالا كبيرا دفع مسئولي المسجد إلى فرش السجاجيد لتسد إحدى الطرقات المؤدية إليه.
مساجد أخرى في الضواحي عرفت نفس ظاهرة الاكتظاظ والصلاة في العراء، فالمركز الإسلامي بـ"دورنسي" في شمال العاصمة - كما يقول مديره حسن شلغومي لشبكة "إسلام أون لاين.نت" -: "شهد أيضا أول جمعة رمضانية لا سابق لها من حيث عدد المصلين، مما دفع المسجد إلى توفير ثلاثة خيام كبيرة ونصبها خارج المسجد من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة".
وعلى الرغم من أن مسجد درونسي يعد من المساجد الحديثة ذات المساحة الواسعة والتي تتسع لثلاثة آلاف مصل، فإنه لم يستطع استيعاب الأعداد المتزايدة في أول جمعة رمضانية.
وخلافا للمساجد التي تحيط بها العمارات والمحال التجارية من كل جانب فإن مسجد "درونسي" يقع في منطقة خضراء بعيدة نسبيا عن العمارات السكنية مما يتيح له استغلال المساحات التي تحاذيه.
من جانبه قال الشيخ "زهير بريك" إمام مسجد طارق بن زياد في منطقة الأفلين في شرق العاصمة الفرنسية لـ"إسلام أون لاين.نت": "إن الإقبال على أول صلاة جمعة رمضانية كان كبيرا جدا إلى الحد الذي امتلأت فيه القاعتان الكبيرتان للمسجد، خاصة أنها شهدت زيارة فتاتين فرنسيتين لاعتناق الإسلام، حيث قررتا أن تدخلا الإسلام في أول جمعة رمضانية".
وتمثل مشكلة اكتظاظ المساجد إحدى أولويات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية(الممثل الرسمي لمسلمي فرنسا) ، حيث أكد محمد موساوي رئيس المجلس الجديد في وقت سابق لشبكة "إسلام أون لاين.نت": "إن إيجاد مساجد تحفظ كرامة المسلمين يشكل أولوية بالنسبة للمجلس".
وقال موساوي: إن ما يسمى "المساجد" حاليا كثير منها لا يليق بكرامة المسلمين، وهي عبارة عن بنايات غير صحية والمسلمون في الغالب يصلون في أماكن ضيقة جدا ينزلون إليها عبر السلالم، أي أنهم مهددون حتى من الناحية الأمنية، وهذا الملف برأيي يجب معالجته سريعا.
وشهد رمضان هذا العام افتتاح العديد من المساجد في أنحاء عديدة من فرنسا مثل المسجد الجديد بمدينة "متز" ومسجد مدينة كريتاي الذي ينتظر افتتاحه في الأسابيع المقبلة.
ويبلغ عدد المساجد بفرنسا بحسب أرقام رسمية فرنسية حوالي 1600 مسجد، جلها عبارة عن "جراجات" ومصانع قديمة تحولت إلى قاعات صلاة، فضلا عن وجود العديد من المساجد في أقبية العمارات.
وتُعَدّ فرنسا أكبر بلد أوروبي يضم أقلية مسلمة، حيث يوجد بها ما بين 6 ملايين إلى 7 ملايين مسلم من إجمالي السكان البالغ 63.7 مليون نسمة.