الضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Ciaa2010
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضوا معنا
او التسجيل ان لم تكن عضوا وترغب في الانضمام الى أُسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Ciaa2010
ادارة المنتدي مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Ciaa2010



الضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Ciaa2010
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضوا معنا
او التسجيل ان لم تكن عضوا وترغب في الانضمام الى أُسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Ciaa2010
ادارة المنتدي مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Ciaa2010



الضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةمجلة الضاد 2011أحدث الصورالتسجيلدخولمن نحن؟

 جمعية الضاد لأساتذة اللغة العربية
 ترحب بآرائكم و اقترحاتكم عبر   
      البريد الإلكتروني:
ddaadd34@gmail.com
عرفهم من هو محمد رسول الله
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
مسلمة
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
المشرف
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
المختار السعيدي
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
هويدا الدار
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
الشاعر لطفي الياسيني
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
جمعية الضاد
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
أبو فيصل
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
مسلم
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
فاطمة الزهراء
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
لؤلؤة لامعة
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_rcapمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Voting_barمناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Vote_lcap 
سجل إعجابك

 

 مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مسلم
عضو متميز
عضو متميز
مسلم


العمر : 61
نقاط : 9209
تاريخ التسجيل : 08/12/2011

مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  Empty
مُساهمةموضوع: مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني    مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني  I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 17, 2012 9:06 pm


المقال من صناعة واقتباس زينب الحلو


من غرائب المناظرات الأدبية .. لعبة الكلام من الخوارزمي إلى الصاحب بن عباد

من أملح ما رواه تاريخ المناظرات الأدبية، ومن أروع ما وعاهُ تاريخ الأدب في صفحاته البهية، تلك المناظرة الحادة، الهادّة، العنيفة، الرجيفة، التي تناظر بها إمامان من أئمة اللغة والشعر والأدب، أبو بكر الخوارزمي وبديع الزمان الهمذاني.. وقد أسفرت عن هزيمة أولهما هزيمة ساحقة لم يقوَ على إحتمالها فقضى نحبه بعدها بقليل!
مات الخوارزميُّ الأديب (وليس الخوارزمي الرياضي) بسبب مناظرة!.. والحق أني ما ذكرتُ تلك المصاولة قطُّ إلاّ غام الحزن علي عيني، وملأ شِعاب قلبي، حتي فاض على نفسي فشعرت للبديع بمقت وادق، وبغض ساحق، وكُرهٍ ماحق، يكاد يعقلُ لساني عن الترّحم عليه!
لم يكن بَغضي له لأنه أفحمَ الخوارزمي فمات الأخير بحسرته، بل لأن في النفس منه لأواء تواترت المظان، فشككت في بعضها، في البدء، لكنني وجدتها ـ جميعا ـ تتفقُ في فحوي أقوالها.. ففي الحق، أن هذا الرجل (البديع) بالرغم من وصف الثعالبي لهُ في يتيمة الدهر ـ جزء 4 صفحة 241ــ اذ ينعتهُ (بحسن العشرة، ونصاعة الظرف، وعظم الخلُق، وشرف النفس، وكرم العهدة، وخلوص الود، وحلاوة الصداقة).. رغم ذلك فقد إلتاثت نفسه بأمراض تتوارثها الكثرة الكاثرة من الأدباء جيلا بعد جيل، وتتمثل في تلك الصورة الشوهاء من حدة الغيرة، وفرط الأثرة، وحمل الحقد، وجبّ الانتقام والزراية من النظراء، وإعنات الرأي بالُمثلاء، والسعي الجاهد في هدمهم بالحق والباطل، والمحاولات الوئيدة في ثلم نبوغهم وخضد شوكتهم.. حتي كاد مدلول الأدب لطول ما إتسم أصحابه بهذه المثالب، يرادفُ في الأذهان نشوز الطبع وركوز الطمع، وإنحراف المزاج ووهن الاحتجاج، وإنجلال النُبل والتفنّن بالتآمر وإجادة الخَتل، والتمرد على الشرائع المرعية والارتكاس في الخلاعة والمجون..
ورحم الله من قال:
ليس الأديب أخا الروا ية للنوادر والغريبْ
ولشعر شيخ المحدثين أبي نواس أو حبيبْ (أبو تمام)
بل ذو التفضل والمرو ءة والعفاف هو الأديبْ.
ولد أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي، ببلدة على بحر خوارزم الذي يسمي اليوم (بحر أورال) في كازاخستان. وكانت خوارزم تستقي أرضها، فينبت فيها الرقيّ الذي كان يُحمل الى المأمون والواثق ـ من خلفاء بني العباس ـ في قوالب الرصاص، معبّأة في الثلج، فكانت تقوم الواحدة السالمة منهُ بسبعمائة درهم.
ونشأ هذا الصبي ـ الذي كان أصله من طبرستان ـ بخوارزم متأدبّاً، ثم جاب الأقطار من الشام الى أقصى خراسان في تحصيل العلم والأدب، فبرع في كل فن من فنون العربية، بلاغة ونحواً، وشعراً ونثراً، وغزر محصوله من اللغة والشعر، حتى ذكر البديعي في (هبة الزمان) ان الخوارزمي كان يحفظ عشرين ألف بيت من شعر النساء خاصة!
كان ذاك النبوغ حفياً بترشيحه لخدمة الملوك والأمراء، وقادة فضلهُ مُرحَّاً به في قصور القادة والوزراء، في الدويلات المتفرعة عن الخلافة العباسية.. ولما شبع من السفر والترحال، وتعب من البحث والانتقال، آنس من مدينة نيسابور من أعمال خُراسان ان تكون خاتمة مطافه، فأتخذها دار إقامة، وإقتني بها الدور الفاخرة، واعتقد الضياع المُغِلّة، ثم فرغ الي الكتابة والتأليف، والشعر والتصحيف، وتصدّر للتدريس، وظنّ وهو في تلك الحال أن ينأي بنفسه عن حبائل الشيطان الرجيس، وانه يستطيع ان يقضي بقية عمره هادئ النفس، رخيّ الروع، ناعم البال، في ظل النعمة الفاشية والسمعة الفاشية والثراء الواسع والجاه العريض.. ولكن غوائل الأيام لعينة، ودفائن الدهر سمينة، فما كل ما يتمني المرء يدركه، ولا كل العثرات يتخطاها.. فما هي إلا سنوات حتى مُني بهذا الواغل الدخيل، بديع الزمان، فنغّص عليه عيشه، وشاب صفو حياته، وساقه الى الفناء الذريع!
وفي واقع الأمر، لم يكن الخوارزمي دون الهمذاني في حوك القصائد وصوغ القوافي، وتحبير الرسائل وجمع اللغة، وحفظ الأشعار والأخبار، بل ربما كان أوفر حظاً في كل ما يتصل بالنقل والرواية، ولكن الهمذاني كان يمتاز بحدّة القريحة وحضور البديهة وشدّة العارضة وسرعة الخاطرة وقوة الارتجال، وهي أمضي سلاح يملكه المناظر لقهر خصمه وإفحامه، وكسرِ ندَّه وإلجامه.
كان الهمذاني فلتة زمانه، فما ظنك برجل كان يُنشد القصيدة تبلغ خمسين بيتاً لم يسمع بها قط، فيحفظها كلها ويؤديها لا يخرم منها حرفاً واحداً؟! ويُقترح عليه إنشاء قصيدة أو رسالة في معنى من المعاني، فيفرغ منها في الوقت والساعة! وينظر في أربع أوراق أو خمس من كتاب، نظرةً طائرة عجلى، فيحفظها ويسردها عن ظهر قلبه!.. وأنت أيها القارئ العزيز إذا راجعت الجزء الرابع من يتيمة الدهر للثعالبي، لوجدت وصفاً للهمذاني، يثير الدهشة ويجلب العجب.. فلقد يقترح عليه البعض، عنوان كتاب ما، فيبتدئ بآخر سطر منه، وينتهي بأوله ويخرجه كأحسن شيء وأملحه! وتُلقى عليه الأبيات الفارسية فيترجمها شعراً الى العربية، جامعاً بين الإسراع والإبداع!.. الى غير ذلك من العجائب والغرائب التي يحلو لبعض النقاد ومؤرخي الأدب تسميتها بشعوذة البيان!
ومع ان هذه الصفات مواهب عظيمة لم يُرزقها كل إنسان، ولا ينكر خطرها في ميادين المصاولة الأدبية، إلا أنها لا تصح أن تكون فيصلاً في الحكم على أقدار الرجال وآثارهم. فأبو العتاهية، مثلاً، وهو رأس شعراء البديهة لا يتسامي الى منزلة مسلم بن الوليد وأبي تمام وابن الرومي من شعراء الرويّة.. والمتنبي ـ على سَنيّ مكانته ـ تعد مقطوعاته الارتجالية من سقط المتاع، حتى تمنّى بعض شارحي ديوانه أَنْ لو خلا من هذا الهذر.. وعبد المحسن الكاظمي تفوّق على شعراء زمانه في ارتجال الشعر على طريقة فحول شعراء عرب الجزيرة من حيث متانة الأسلوب وجزالة اللفظ، وربما إمتاز عن كثيرين منهم بخلو شعره من المعاظلة والتعقيد والإغراب، فأرتجالهُ غاية في السلاسة، لا جمجمة فيه ولا تلكؤ..ولكنه رغم كونه أقوى شعراء عصره طبعاً وأسرعهم خاطراً، لا يوزن بشوقي من شعراء الأناة، بل لا يُقاس بحافظ إبراهيم وهو أكثر الشعراء تعباً في نحت القريض وصوغ القوافي.. والزهاوي شاعر يكاد يكون فذاً بين الرعيل الأول من شعراء العراق، فلقد كان عميق الفكرة غاية العمق، حر التفكير غاية الحرية، ثائراً على كل عتيق أبعد حدود الثورة ـ كما قال عنه الجواهري.. والزهاوي شاعر من شعراء الفكرة، له البصيرة الناقدة والفطنة النافذة لكنه ـ كما يقول الزيات في كتابه (تاريخ الأدب العربي) ـ لا يملك الأذن التي تموسق ولا القريحة التي تصنع، فاللفظ قد لا يختار والوزن قد لا يتسق والأسلوب قد لا ينسجم، ولكن الفكرة الحية الجريئة تعجّ بين الأبيات المتخاذلة عجيج الأمواج المزبدة بين الشواطئ المنهارة.. لكن الزهاوي لم يبلغ شاعرية الرصافي ولا الشرقي.
المهم في الأمر، ان سلاح بديع الزمان الهمذاني لم يكن مقصوراً على تلك المزايا الخارقة التي ذكرناها، وتلك المواهب المدهشة التي أوردناها، بل كان ـ إلى ذلك ـ في طراءة عمره وغضارة شبابه ورفاغة عافيته، بينما كان الخوارزمي قد علت به ألسن فتحّيفتْ جسمه وعقلهُ معاً.. وأنكى من هذين على الخوارزمي أن جماعة من وجهاء نيسابور لا يخلو من أمثالهم بلد من بلاد الله، كانوا يكرهونه وينفسون عليه نعمته، فصاروا عليه إلْباً في هذه المحنة، وتكوكبوا على خصمه يشدون أزره، ويروجّون له.. ولا شئ، في الدنيا، أثلم للعزيمة وأقعد بالهمّة من خذلان الآل ومجافاة الأحبة والأقارب!
ذلك النكود، وتلك الإشاحة، وهي حال شاذة ممضّة قد أنطقت بالشكاة كثيراً من جلِّة الفضلاء وشوامخ العلماء وسوامق الشعراء، متسائلين عن (مغنية الحي التي لا تطرب)! فقال في ذلك، قاضي الأندلس وخطيبها المصقع (المنذر بن سعيد):
هذا المقال الذي ما عابه فَنَدُ لكن صاحبَهُ أزرى به البلدُ
لو كنتُ فيهم غريبا كنتُ مُطَّرفاً لكنني منهمو فاغتالني النّكدُ
وقال الفيلسوف ابن حزم:
أنا الشمس في جوّ السماء منيرةً ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع لجدَّ علي ما ضاع من ذكري النهب
هنالك تدري ان للعلم غصّةً وأن كساد العلم آفته القُرب
فوا عجباً من غاب عنهم تشوّفوا له، ودنوّ المرء من دارهم عيب
وذا أبو ماضي يتساءل:
من ذا يكافئ زهرةً فواحة؟ ومتى أثبنا البلبل المترنما؟
وقليل هم أمثال أبي فراس الحمداني،
ومالي لا أثني عليك، وطالما وفيت بعهدي والوفاءُ قليلُ؟
ولنرجع، الآن، الى ما صار ودار في تلك المناظرة، ونستجلي أفانين فحواها وإيراد ما توافق من الروايات المختلفة فيها، فنقول:

الصاحب بن عباد
في سنة ثمانين وثلاثمائة للهجرة، فارق البديع همذان التي نشأ بهِ وتأدّب، الى حضرة الصاحب بن عباد وزير آل بويه وخليفة إبن العميد، وهي ـ إذ ذاك ـ مرمق العيون، ومناط الآمال، ومحطّ الرحال، فلقي فيها ما يلقاهُ كل أديب: من كرم الوفادة، وحسن الرعاية، وجميل التعاهد. وكان مجلس هذا الوزير العالم الأديب، آخر مجلس لوزير ضمّ خيرة العلماء وصفوة الأدباء، وأعيان المصنفين والمتكلمين، وهم دائما في حوار متصل، وجدال مستمر، ومذاكرة دائبة لا تهدأ ولا تفتر، فكان لذلك أثره البالغ في صقل مواهب البديع، وفتق جنانه، وتزويده بمعارف جديدة واسعة، وهو في مقتبل الشبيبة وميعة الحداثة.
وهنا تبدو مفارقة، إذ كان الظن بمثله أن يضن بمفارقة هذا الروض المونّق والجناب الخصيب، ولكنا رأيناه في سنة إثنتين وثمانين وثلاثمائة يشخص الي خراسان، وبعد جولة قصيرة في ربوعها ينعطف نحو نيسابور وقد سلبه قطاع الطريق ما يملكه من متاع ومال!
ونيسابور هذه كانت، فيما سبق، مدينة شهيرة من مدن خراسان عرفت بالفيروزالنفيس والثياب الرقاق، وقد خربّها التتار في غاراتهم ولم تعمر ثانياً.. وتتمازُ نيسابور بكونها مدينة مقرورة يهرأ بردها الأجسام، ويُوسم أهلها بالجفاء والشغب والضعف والخبث وكراهة الغرباء! (نهاية الارب في خصائص البلدان، الجزء الأول).. وفيها يقول السمعاني:
لا قدس الله نيسابور من بلد ما فيه من صاحب يُسلي ولا سكن
ويقول فيها المرادي:
لا تنزلنَّ بنيسابور مُغترباً إلاّ وحبلك موصول بإنسانِ
أولا، فلا أدب يغني ولا حسبُ يدي ولا حرمة ترعى لإنسانِ
ويقول أيضاً:
قال المراديُّ قولاً غيرَ مُتهَّمِ والنصحُ- ما كان من ذي اللب- مقبولُ
لا تنزلن بنيسابور مغترباً إن الغريب بنيسابور مخذولُ
وإذا كانت هذه صفات مدينة، فما هو سر إختيار البديع لها بالذات؟ وقد كان لهُ في غيرها مَراد ومسرح.. أهو حب التنقل والضرب في البلاد، للدراسة والإطلاع، وإستفادة العلم والمال؟ وهو الطابع الغالب علي علماء هذه العصور وأدبائها؟ أم هو القصد الي مناضلة الخوارزمي ومزاحمته في صيته، وإنتزاع صولجات الشهرة منه، حتي يقال عنه، إنه غزا النسر في وكره، وإقتحم علي الليث عرينه؟

صرير التخت
ورغم ان جواب تلك الأسئلة، في مجملها مقنع، مُيسّر، لكننا سرعان ما نجد بعض المؤرخين يسوق لرحلة الهمذاني الي نيسابور علةً طريفة كما في (معجم الأدباء ـ الجزء الثاني ـ صفحة 184) وهي أن البديع كان في مجلس الصاحب يوماً فخرج منه ما يخرج من غير المتمكن في قعدته، وكان خيراً لهُ أن يعوذ بالصمت ويلوذ بالسكوت، ولكنه أراد أن يموّه على الصاحب فقال: هذا صرير التخت! فقال الصاحب: أخشى أن يكون صرير التحت!!.. فخجل البديعُ خجلاً شديداً حملهُ على مفارقة حضرته والخروج إلى خراسان!
وللتاريخ، يلذّ لنا أن نقول ـ بهذه المناسبة ـ: إن مجلس الصاحب ـ على رفعة شأنه ـ كثيراً ما كان مهبّاً لمثل هذه الزعازع، ومرجّاً لأشباه تلك المقاذع! وكان ابن عباد لا يمنعهُ وقاره أن يعقب على ذلك بالنكتة البارعة والتورية اللطيفة . فمن ذلك أن الصاحب كان يرتاح لحضور الفقيه ابن الخضيري مجلسه بالليالي، فغلبتهُ عينُهُ مرةً، فخرج منه شيء فخجل وانقطع عن المجلس، فقال الصاحب ابن عباد: أبلغوه عني:
يا ابن الخضيريّ لا تذهبْ على خجل لحادث كان قبل الناي والعود
فإنها الريح لا تستطيع تحبسها إذْ لستِ أنت سليمان بن داود
وكيفما كانت الدواعي التي اضطرّت البديع الى المكث بخراسان ومهما كانت الأسباب التي حفزّته الى إنتجاع نيسابور، فأن المؤكد ان المناوشة بين الرجلين: الهمذاني والخوارزمي بدأت بكتاب أرسله الأول الى الثاني، صدّرهُ بهذا الكلام المعسول (انظر الوافي بالوفيات 128)، (إنّا لقرب دار الأستاذ ـ أطال الله بقاءه ـ كما طرب النشوان مالتْ به الخمر، ومن الارتياح الي لقائه، كما إنتفض العصفور بللّهُ القطر، ومن الامتزاج بولائه، كما إلتقت الصهباء والبارد العذب، ومن الابتهاج بمزاره، كما إِهتزَ تحت البارح الغصن الرطب).
ثم ختم كتابه بأن طلب منه إرسال غلامه لينفض له جملة حاله.. وإلتقيا بعد ذلك على موعد مضروب في دار الخوارزمي، وما نشكّ في أنه أكرم مثواه، وأحاطه بألوان البر والرعاية، ولكن البديع كان مدخول النية، مطويّ الجوانح على الضغينة! فخرج من دار مُضيفه غير حامدٍ لقياه، وأرسل إليه كتاباً حشوُهُ عتاب مرّ، يذكر فيه: أن الخوارزمي إستزارهُ لغربته، وإقتحمتهُ عيناهُ لرثاثة ملبسه، وأنه تكلفّ القيام لهُ والسلام عليه، وأنه كان يكلمه بنصف طرفه، ويشير إليه بشطر أنفه، وأن أهل بلده همذان في الذؤابة من الشرف والسيادة، وفي الصميم من الجود والسماحة، ولو قد حلَّ الخوارزمي بينهم لخيئّوه في سواد العيون واحتضنوه كما القلب بين الضلوع!
وقد ردّ عليه الخوارزمي ردّاً جميلاً، ودوداً بَروداً، يستلّ السخائم ويطفئ الأحقاد، ولكن موقف البديع منه أشبه بموقف أمريكيا قبل غزوها للعراق: إدلاءٌ بالباطل، ومماطلة وافتراءات، وتورّط في الضلال، وتجن للذنوب، وتصيّد للمثالب.. ومن كان هذا شأنه فإرضاؤه مُحال!
وفق هذا الجو المشحوب بالريبة والظنون، أخذت الرسائل تتردد بينهما وهي تزداد عنفاً وحدّة، حتي إنتهي الأمر الي الخصومة الصريحة! التي كان يعمل لها البديع ومَنْ وراءه كل وسيلة!
وكلما وازنت بين تلك الأسباب، أصل الي قناعة بإمكانية إطفاء تلك النائرة وتيسّر إخماد هاتيك الثائرة، لولا أن خصوم الخوارزمي الذين سبقت الإشارة إليهم انتهزوها فرصة للنكاية به، ونهزة للإغارة عليه، فأذكوا العداوة وأرَّثوا نار البغضاء!
وكان أن أرسل نقيب الأشراف الي الخوارزمي يستدعيه الي داره ليجمع بينه وبين البديع، فترَّفع عن المجيء لأنه كان يعرف ما دُبّر لهُ، فأحرجه النقيب بإرسال دابته إليه، وشفع ذلك البديع برسالة يستفزّهُ بها! فلم ير الرجل بداً من الحضور وقد حُشرَ الناس ليروا لمن تكون الغلبة!
وحين إطمأن المجلس بالشهود في دار النقيب، تطالّت الأعناق، وتدافعت المناكب، وشخصُت الأبصار، وحوقلت العيون، وإنتصبت الآذان! فأفتتح البديعُ المساجلة بكلام يجمعُ بين التهكّم والتوريط، والتفكّه والتسليط: إنما دعوناك لتملأ المجلس فوائد، وتذكر الأبيات الشوارد، والأمثال الفوارد، ونناجيك فنسعد بما عندك، وتسألنا فتُسرِّ بما عندنا. ونبدأ بالفن الذي ملكت زمامه، وطار به صيتك: وهو الحفظ إن شئت، والنظم إن أردت، والنثر إن إخترت، والبديهة إن نشِطت، فهذه دعواك التي تملأ منها فاك!
وقد حَسب الخوارزمي حساباً لشيخوخته، فأوجس من النسيان خيفة، وتهيّب أن تكبو به فرس قريحته في الحفظ والنثر، فآثر المبادهة بالشعر.. فقال البديع: الأمر أمرك يا أستاذ!
فأجابهُ الخوارزمي: أقول لك ما قال موسي للسَّحَرة: (بل ألقوا).
فأخذ كل منهما دواةً وقلماً، وخطّ البديع أبياتاً مدح فيها السيد نقيب الأشراف، وفخر بنفسه ما شاء، وأوسع الخوارزميَّ ذمّاً وسخرياً منها:
والشعرُ أصعب مذهباً ومصاعدا من أن يكون مطيُعه في فَكِّهِ
والنظم بحر، والخواطرُ مِعبَرٌ فأنظر الي بحر القريض وفُلْكه
فمتي تراني في القريض مُقصِّراً عَرضّت أذْن الإمتحان لعركة
أصغوا الي الشعر الذي نظّمته كالدرّ رُصِّع في مَجَرّةٍ سِلكه
فمتي عجزتُ عن القريض بداهة فدمي الحلال له إباحة سفكه
ونظم الخوارزمي أبياتا إمتنع عن إبرازها فيما يقول الرواة، فقال البديع له: إن البيت لقائله كالولد لناجله، فما لك تعقّ ابنك وتضيمه؟ أبرزها للعيون، وخلصّها من الظنون، أما تستحي ان يكون السِّنَّور أعقل منك؟ لأنهُ يجعُرُ (يُحدث حاجته) فيغطيه بالتراب؟!
فقال النقيب، وكأنه يدير الدفّة بعيداً عن اللجاج: إنسجا علي منوال المتنبي:
أَرَقٌ علي أرق، ومثلي يأرقُ
فابتدر الخوارزمي قائلاً:
وإذا ابتدهت بديهة يا سـيدي فأراك عند بديه تتقلـــــق
وإذا قرأت الشعر في ميدانـه لاشك انّك يا أخي تشــــقّق
اني إذا قلت البديهة، قلتهــا عجلاً، وطبعك عند طبعي يرقق
لو كنتَ من صخر أصم لهاله مني ابديهةُ، واغتدي يتفلّــق
أو كنت ليثاً في البديهة خادراً لرُئيت يا مسكين منّي تفَــرقُ
ثم قال، معتذراً عن هلهلة نسجها: هذا كما يجيء لا كما يجب.. فقال البديع: قبِل الله عذرك! لكني أراكَ وفقّتَ بين قوافٍ مكروهة وقافات خشنة، كل قاف كجبل قاف: تتقلّق، تشقق، تتفلّق الخ فخذ الآن جزاءً عن قرضك، وأداء عن فرضك:
مهلاً أبا بكر فزندك أضيقُ واخرَس، فإنّ أخاك حيٌّ يرزق
يا أحمقاً وكفاك تلك فضيحةً جرَّبت نار معرّتي، هل تحــرق؟
فأسرع الخوارزمي قائلا: يا (أحمقاً): لا يجوز، فأنه لا ينصرف.
فقال البديع: لا نزال نصفعك حتي ينصرف وتنصرف معه! وللشاعر ان يرد مالا ينصرف الي الصرف، وان شئت قلت: يا كوْدَناً [ الفرس الهجين والفيل والبغل].
ثم أردف البديع قائلا: أخبرني عن قولك في البيت: يا سيدي، ثم قولك: تتقلّق، أمدحت أم قدحت؟ فأن اللفظين لا يركضان في حَلْبة، ولا يخطان في خطة..
فإبتدر النقيب قائلا: قولا علي منوال قول المتنبي:
أهلاً بدار سباك أغيدُها
فارتجل البديع:
يا نعمةً لا تزال تجحَدُها ومنّة لا تزال تكْنُدُها

اعتراض الخوارزمي
فأعترض الخوارزمي [وليته ما فعل] فقال: الكُنُود: قلة الخير لا الكفران . فأنكر الجميع ذلك وقالوا: أما قرأت قوله تعالي: (إنّ إنسان لربه لكَنود) أي لكفور..
فحمي الخوارزمي وقال: أنا اكتسبت بفضلي ديَّةَ أهل همذان فما الذي إكتسبت أنت بفضلك؟ فقال البديع: أنتَ في حرفة الكُدْية أحذق، وبالإستماحة أحري وأخلق، وأما مالَك فعندي يهودي يماثلك في مذهبه ويزيدك بذهبه.. ثم مال علي مغن فقال: اسمعنا خيراً، فغنّي:
وشبّهنا بنفسج عارضيه بقايا اللطم في الخد الرقيق
فقال الخوارزمي: أنا أحفظ هذه القصيدة، وهو لا يعرفها. فقال البديع: أخطأت، فان البيت علي غير هذه الصيغة وهي:
وشبّهنا بنفسج عارضيه بقايا الوشم في الوجه الصفيق
فقال الخوارزمي: والله لا صفعنّك ولو بعد حين!
فرد البديع، وهو يجيل طرفيه في الحاضرين: أنا أصفعك اليوم وتضربني غداً، واليوم خمر، وغدا أمر! ثم تمثل بقول ابن الرومي:
رأيتُ شيخاً سفيهاً يفوق كلَّ سفيهِ
وقد أصاب شبيهاٍ لهُ وفوق الشبيه
وقفّي علي ذلك منشداً:
وأَنزلني طولُ النوي دارَ غُربة إذا شئت لاقيتَ امرأ لا أُشاكلهُ
أُحامِقهُ حتي يقال: سجّية ولو كان ذا عقل لكنت أُعاقلهَ
وما زال الجدل محتدماً بينهما حتي ضجر الحضور، ورنقّ الكري في عيونهم، فتقوّض المجلس، ونام الناس ـ كعادتهم ـ في ضيافات نيسابور، ثم انتشروا في الصباح وقد تشعبّت آراؤهم في الحكم علي الرجلين، تبعاً لاختلاف ميولهم أهوائهم.
وقد شقَّ علي جماعة من الفضلاء، من أولي السماحة والسجاحة، ان يبلغ الشقاق بين الأديبين هذا الحد الممقوت! فسعوا في إصلاح ذات البين، وتقريب المودة بين الرجلين، وتجسير الحميمية بين الرأيين، وحملوا البديع علي طلب المصافاة، وذاك دليل علي أن العدوان بدر منه، فمشي الي الخوارزمي معتذراً يقول: بعد الكدر صفو، وبعد الغيم صحو!
وأبي كرم الخوارزمي إلا ان يقبل عذره، ويمسح غدره، وزاد علي كظم غيظه، ونسيان شتمه، فدعاه الي ضيافته، وقضاء سحابة يومه مغموراً بأريحيته.. وتصافي الرجلان، وحل الوئام محل الخصام.
ولكن هذا الصلح كان كانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، يحمل في تضاعيفه جراثيم حرب ضروس! فلم يلبث أعداء الخوارزمي والناقمون علي مكانته والمستوحشون منه أن سعوا في نقضه فهّبت ريح الخلاف مرة أخري شديدة عاتية! فلم يكن بد من عقد مناظرة ثانية تكون فصل الخطاب في هذه القضية الشائكة.
وأعدّت الطنافس، ورتبّت الوسائد، وهُيّيء المجلس في دار أبي القاسم الوزير، حضرهُ بعض علية القوم، وإنثال الناس علي المجلس من كل صوب وأوب، حتي حفل بذوي المثالة من رؤساء المدينة وعلمائها وقضاتها وأدبائها ومتصوّفيها.. ثم أقبل الخوارزمي ـ بعد لأي ـ في جمٍّ غفير من أنصاره ومريديه.. وبعد مُلاحاة ومُباهاة، ومشادة ومُرادّة بين المتناظرين تشبه إلتحام طلائع الجيوش، إقترح عليهم بعض الحضور أن ينشدا علي غرار قول أبي الشيص:
أتقي الزمانُ بهِ نُدُوبَ عِضاضِ ورمي سوَاد قرونه ببياضِ
فإبتدر الخوارزمي قائلاً:
يا قاضياً ما مثلهُ من قاضِ أنا الذي تقضي علينا راضِ
حتي قال:
ولقد بُليت بشاعرٍ متهتّكٍ لا بل بُليت بنابِ ذئب غاض
فحسب البديع انه وجد علي الخوارزمي غلطة، فقال: ما معني قولك: ذئب غاض؟ فقال الخوارزمي: ما قلته ـ هكذا يزعم الرواة ـ فشهد الحاضرون أنه قاله، فقال البديع: إستنوق الذئب! صار الذئب جملاً يأكل الفضا!
وإستعرت المناقشة وإستحّرت المجادلة، ثم هدأت العاصفة، فجأة، عندما دخل الرئيس أبو جعفر، والقاضي الحربي، والشيخ أبو زكريا الحيري.وكان دخول هؤلاء الأفاضل بمثابة هدنة نفسّت عن المتناظرين،كرنّة الجرس في حلبة الملاكمة، بين الجولات، فأتاحت للأديبين قسطاً من الجمام، فهدأت الشقاشق، وسكنت الزماجر، وتركت الهتافَ الحناجر.. وأحسبهما أنِسا بدخول الرئيس، وارتاحا الي هذه الهدنة التي أجادت بها عليهما يد القدر، وودّا أن يمتدّ أجلها! ولكن الرئيس لم يحضر لفض النزاع وحسم الخلاف، بل أتي كغيره ليري تصاول العقول وتخاطر الفحول في ميدان المعقول والمنقول!
فما أن فرغ من رد السلام والتحيات، وسكت الجمعُ ينتظرُ ما هو آت، وأخذ أبو جعفر مجلسه بين الصدور المقدمين، ورأي أن العيون ترمقه والآذان تهفو لما سيقوله، تولي، وقتئذ، توجيه المناظرة، فأقترح أن ينشدا رويّة علي وزن اختاره..
فتلمظّ البديع بلسانه، وبلع ريقه وشحذ وجدانه، وسرعان ما أنشد اثني عشر بيتاً منها:
برزَ الربيعُ لنا برونقِ مائه فانظر لروعة أرضه وسمائه
والترب بين مُمسَّك ومُعنبر من نَوْره، بل مائة ورُوائه
والماء بين مُصَندل ومُكفَّر في حسن كُدرته ولون صفائه
والطير مثل المحصنات صوادح مثل المغنّي شادياً بغنائه

شروحات وتعليقات
والحق أنني وجدت تضارباً في عدد أبيات البديع، في روايات يا قوي الحموي، وابن قتيبة، مع رواية (رسائل البديع) وقد رجحّت الرسائل، كما ان الخوارزمي كان قد ردّ علي أبيات البديع بتسع أبيات لم أعثر علي أحدها في مظانها، بيد أني وجدت شروحات وتعليقات البديع عليها، فوصفها، بأنها جمعت بين إقواء وإكفاء وأخطاء وإيطاء، وأنه أخذ عليها عشرين مأخذاً! وذكر أنه اتجه الي عميدي المجلس، الوزير والرئيس، فقال ـ مشيرا الي الخوارزمي بعد فراغه من الانشياد ـ لو أنّ رجلاً حلف بالطلاق أني لا أقول شعراً، ثم نظم تلك الأبيات التي قالها الخوارزمي، هل كنتم تطلّقون عليه امرأته، فهتف الجماعة: لا يقع بهذا طلاق!!
ثم طلب البديع الي الخوارزمي أن ينقد أبياته المتقدمة (برز الربيع لنا..) فقال الخوارزمي قلت: انظر لروعة أرضه وسمائه، ويقال: انظر الي كذا.. ولكن الجماعة لم تحكم له علي اعتبارها سقطة لغوية..
واستطرد الخوارزمي: وشبهتَ الطير بالمحصنات، ثم شبّهتها بالمغنيات، وأي شبه بين المحصنات والطير؟ ثم كيف توصف المحصنات بالغناء؟
فردّ البديع: يا رقيع! إذا جاء الربيع كانت شوادي الأطيار تحت ورق الأشجار، فيكن كأنهن المخدرات بين الأستار، والطيور في الخدور كالمحصنات، وكالطير في ترجيع الأصوات..
ثم قال الخوارزمي: وقلت: زمن الربيع جلبت أزكي متجر.. هلا قلت: جلبتّ أربح متجر؟ فقال البديع: ليس الربيع بتاجر يجلب البضائع المربحة .
ثم قلت: كالبحر في تزخاره، والغيث في أمطاره، والغيث هو المطر، فقال البديع: لا سقي الغيث أديباً لا يعرف الغيث! الغيث هو المطر، وهو السحاب.. فصدقه الحاضرون!
وإني هنا لأعجب من المحاكمة النقدية التي لا تريد ان تلتفت الي هنات البديع وهفواته.. فالغيث هو المطر، في الترادف الشمولي، لكنهما يتناقضان في الاستعمال التخصصي، فالغيث ورد ذكره في القرآن في الخير، والمطر في الطوفان والاغراق، كما في الترادف التناقضي (للريح) التي تستخدم للشر، (ريح صرصر عاتية)، بينما (الرياح) تأتي في مناقب الخير (وأرسلنا الرياح لواقح)..ويبدو لي أنّ لباقة البديع وتمكنّه من إستمالة الحضور قد أسدلا علي أعين الناس غشاوةً وعلي أسماعهم وقراً، بدليل استعجال الإمام أبو الطيب ألصعلوكي، فقال: قد علمنا أي الرجلين أشعر، وأي الخصمين أقدر، وأي البديهيتين أسرع، وأي الرويتيّن أصنع!
ثم مال المتناظران الي فنون أخري ظهر فيها فوقُ البديع، ووافق ذلك ملالة الحضور فشرعوا في ثلم الصفوف، والانصراف عن الاستماع، وهم بثنون علي البديع ويسلقون الخوارزمي بألسنةٍ حداد!.. وهمّ الخوارزمي بالقيام فأصيب بإغماء! فأنحني عليه الهمذاني متمثلاً بقول بشر بن عوانة:
يعزّ عليَّ في الميدان أني قتلت منافسي جَلداً وقهْرا
ولكن رمتَ شيئاً لم يرمه سواك، فلم أطق يا ليث صبرا
ثم أخذ يمسح عن وجهه! ويقبّل بين عينيه! ويقول ـ علي سبيل الاستهزاء ـ:
إشهدوا أنّ الغلبة له!
ثم مُدّت الموائد وتكوّف حولها الحضور لتناول الطعام، وكأن الظفر فتح شاهية البديع! فجعل ـ كما يصف نفسه ويصف خصمه ـ يكرع في الجفاف، ويسرع الي ارغفان! ويمعن في الألوان! والخوارزمي يتناول الطعام بأطراف الأظفار! فلا يأكل إلا قضما، ولا يتناول إلا شمّاً!
وقد بلغ من جفوة البديع، وقسوة طبعه وتحجّر مشاعره، أنه لم يرع للطعام حرمة، فأتخذ خصمه هزاء وسخرية! وتناوله بفتوت من التندر الفظيع والتنطّع الوضيع، حتي إستكفَّهُ الوزير بقوله: قد ملكتَ فأسجح.
ولما قام الخوارزمي عن المائدة، وكأنه استجمع بعض شتاته بعد ان خنقه تبريح الغيظ قال للبديع: لأتركنّك بين الميمات. قال: ما معني الميمات؟ قال: بين مهدوم، مهزوم، محموم، مرجوم، محروم! فقال البديع: وأتركك بين الميمات أيضاً: بين الهيام، والصدان،والجذام، والزكام، والسّام (الموت)، والبرسام (الجنون)، والسقام! (انظر: زهرة الأدب ـ جزء 2) .
ثم إنفض المجلس وخرج البديع تحفّهُ هالة من أصحاب الشافعي، يتبارون في تعظيمه وإجلاله! ويوسعونُ ضمّاً وتقبيلاً!.. وقبع الخوارزمي في مكانه حتي جرجرت الشمس أذيالها نحو الغروب، فعاد الي داره، كسير القلب، مهيض الجناح، خافض الطرف كاسف البال!
ولكن لهذه الهزيمة وما لابسها من تألّب أهل بلده عليه، وخذلانهم له، وقعٌ شديد علي نفسه! فتكالبت عليه العلل، ودلف إليه الأدواء، وألحّت عليه الأوجاع، فلم ينقض ذاك الحول حتي وافتهُ المنيّة في شوال سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة للهجرة . ومن الغريب الذي يكلم الضمائر ويثلم الأخلاق، أن اعتلال صحة الخوارزمي وتعاضد أسقامه لم يخفف من حقد خصومه عليه! فكتب بعض (سِفلتهم) الي البديع يهنئه بمرضه! فردّ عليه البديع بكتاب لبس فيه مسوح الرهبان، ومرقّعات الصوفية! لكننا ـ من الإنصاف وذكر الحق ـ ينبغي أن نشيد بما إنطوي عليه الهمذاني من أريحية ونبل، ولعل مرد ذلك الي الصفاء الذي يعاود النفوس بعد أن تهدأ فورتها، وتنجلي عنها غشاوة الباطل! فتوقن أن المجد لله والعزة له جميعاً، ولعل مرد ذلك أيضاً الي أن الظفر بالقِرن والفوز بالأحدوثة يُحلاّن الضعينة ويمحوان غليل الصدور وزيغات القلوب، بل يستحيل ـ علي تراخي الأيام ـ الي عطف ورثاء! ولمن يقلب شواهد التاريخ سيظفر علي أمثلة عديدة.
فماذا جاء في رسالة البديع، اللينة تلك؟، قال: (الحرُّ ـ أطال الله بقاءك ـ لا سيما إذا عرف الدهر معرفتي، ووصف أحوال صفتي، إذا نظر، علم أن نعم الدهر ما دامت معدودة فهي أمانيّ، وإن وجدت فهي عواريّ، وأن محن الأيام ـ وإن مطلت ـ فستفد، وإن لم تصب فكأن قد، فكيف يشمت بالمحنة من لا يأمنها في نفسه، ولا يعدمها في جنسه، والشامت إن أفلت، فليس يفوت، وإن لم يمت فسيموت. وما أقبح الشماتة بمن أمن الإماتة، فكيف بمن يتوقعّها بعد كل لحظة، وعقب كل لفظة، والدهر غرتان، طُعمهُ الخيار.. وظمآن، شَربة الأحرار. فهل يشمت المرء بأنياب آكله؟ أم يسرّ العاقل بسلاح قاتله؟ وهذا الفاضل ـ شفاه الله ـ إن ظاهرناه بالعداوة قليلاً، فقد باطنّاهُ وداً جميلاً. والحر عند الحمية لا يُصطاد،ولكنه عند الكرم ينقاد، وعند الشدائد تذهب الأحقاد، فلا تتصور حالتي إلا بصورتها من التوجّع لعلته، والتحزن لمرضته. وقاه الله المكروه، ووقاني سماع المجذور فيه، بمنّه وحوله، ولطفه وطوله)!
ولما توفي الله الخوارزمي، رثاه بديع الزمان بتأئية (انظر يتيمة الثعالبي، الجزء الرابع) ولعله اقتدي في ذلك بجرير في رثائه للفرزدق:
حنانيك من نَفس خافت ولبيّك عن كمد ثابت
ورثاه كذلك أبو الحسن الرقماتي:
مات أبو بكرٍ وكان إمرأً أدهَم في آدابه الغُرِّ
إن رثاء الهمذاني للخوارزمي، بعد ما إقتنصنا من لمح الشاردات ومختصر اللمحات، قد يصور لنا طَرفاً من الحرقة واللوعة التي يجدها النظير لفقد نظيره! ولكنه لا يكشف عن شيء من فضائل المرثي كما هي سنة الرثاء، حتي لقد قال بعض النقاد: انه لم يخل من الدس والسعاية!
وبأنتصار البديع أولاً وبموت الخوارزمي ثانياً، نبه ذكر الهمذاني واستطارت شهرته ونفقت سوقه لدي الملوك والأمراء والوزراء، وتهادته الأقطار والأمصار، فلم تبق بلدة من خراسان وسجستان وغزتة والري إلا دخلها، فحسنت حاله وكثُر ماله،وطارت شهرته وفشت نعمته.. ثم أراد ـ بعد إمتلاء الوطاب وإنتفاخ الجراب ـ أن يستروح بالنعمة ويستمتع بالراحة، ويتملّي النعيم فتخير مدينة (هراة) ـ وهي ثالثة مدن أفغانستان الحالية،بعد كابل وقندهار، كانت مدينة حصينة الموقع، ومشهورة قديماً بصباحة الوجه والمشمس الجيد، ويقال: إن الذي بناها الاسكنر المقدوني.واتخذ من هراة دار قرار، وصاهر فيها الحسيب النسيب أبا علي الحسين الخشنامي، فآوي منه الي ركن رشيد، واقتني بمعونته ضياعاً فاخرة.
ولكن العادل كان واقفاً له بالمرصاد فأخذه ولم يفلته:
وما من يد إلا بد الله فوقها ولا ظالم إلا سيُبلي بظالم
فمن قال: انه مات مسموماً، ومن قائل: إنه أصيب بالجنون، وهناك رواية وثيقة تقول: إنه اعترته غشية فُظنَّ به الموت وعُجّل لهُ الدفن، فأفاق في قبره وسُمِع صياحه بالليل، فشقوا عنه فأصابوه قابضاً علي لحيته وهو ميت من هول القبر ووحشته! وكان ذلك يوم الجمعة الحادي عشر من جمادي الآخرة سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة للهجرة.. نسأله تعالي حسن الخواتيم..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مناظرة الخوارزمي الاديب وبديع الزمان الهمداني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تحميل روايات الاديب نجيب الكيلاني
» صرف الزمان
» قصة نادرة في هذا الزمان.
» اذا طال الزمان ولم تروني / الحاج لطفي الياسيني
» مناظرة بين الفيزازي ولكحل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد :: علوم اللغة العربية :: طرائف أدبية-
انتقل الى: